الرسالة الرعوية (1) من قداسة البابا شنوده إلى أبنائه الكهنة

أبنائى الكهنة المحبوبين…

سلام لكم من الرب ونعمة. إلهنا الصالح الذى ـ على غير إستحقاق منا ـ اختارنا لنعمل معه، ونشترك فى بناء ملكوته، ونجول ـ كسفراء له ـ ننادى أن (أصطلحوا مع الله)، هو قادر أن يمنحنا القوة، ليتمم رسالتنا بغير وقوع فى دينونة. منذ زمان، وأنا مشتاق أن ألتقى معكم فى أمثال هذه الرسالة، لكى نتأمل معاً عمق المسئولية التى كلفنا الرب بـها، حتى (نعمل ما دام نـهار)، كوكلاء أمناء حكماء أقامنا الله على أولاده لكى نعطيهم طعامهم فى حينه. وقد أخترت أن تكون رسالتى الأولى لكم عن:

العضوية الكنسية

  1. ينبغى أن نعرف أولادنا واحداً واحداً، لكيما نستطيع أن نقدم لهم كلمه الله ونخدمهم ونرعاهم. لأنه كيف يمكننا أن نرعاهم، إن كنا لا نعرفهم؟!

ولقد علمنا السيد المسيح ـ تبارك اسمه ـ أن الراعى الصالح: يعرف خرافه، ويناديها بأسمائها. والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته، ولا تعرف صوت الغريب. وكراع صالح، قال الرب عن نفسه(أما أنا فإنى الراعى الصالح، وأعرف خاصتى، وخاصتى، تعرفنى… وأنا أضع نفسى عن الخراف).

  1. والمفروض. ليس فقط أن نعرف أولادنا بأسمائهم، وإنما بالأكثر نعرف كلاً منهم بحالته، وظروفه، ومشاكله، وأحتياجاته. لأنه بـهذا يمكننا أن نقدم لكل منهم الخدمة التى تناسبه، كآباء يعرفون حالة أبنائهم. ولكن كيف يمكننا هذا، إن كنا لا نعرف أولادنا، ولا نعرف حتى مجرد أسمائهم؟! أو إن كنا نعرف البعض منهم فقط، ونجهل الباقيين! هؤلاء المجهولون منا، كيف نقدم عنهم حساباً أمام الله؟!
  2.  لا نريد أن توجد فى رعيتنا مجموعة: لم تصل إليها الكنيسة بعد، ولم تعرف عنها شيئاً، ولم تزرها، ولم تفتقدها، ولم تقم نحوها بواجب روحى… إن كان مؤلماً للإنسان العادى أن يشعر أن الكنيسة أهملتة، فإنه من الخطر على الإنسان البعيد عن الله أن تتركة الكنيسة بلا إفتقاد فيهلك ويضيع…
  3.  ينبغى أن نعرف الكل، لكى نخدم الكل، لكى نوجد لكل أحد مكاناً فى ملكوت الله، والدسقولية تقول(فليهتم الأسقف بكل أحد، ليخلصه). والأسقف يمارس هذا الإهتمام بنفسه، وبكهنته، وشمامسته، وكل الخدام العاملين معه. إن تخليص كل أحد واجب يعمل من أجله الكل. وهكذا نرى الرعاية قاعدة هامة وهى: لا يكفى أن نعرف الكثيرين ونخدمهم، إنما ينبغى أن نعرف الكل ونخدمهم. ولقد قدم الرب لنا مثلاً رائعاً عن هذه القاعدة الرعوية فى مثل الخروف الضال. فإن الراعى الصالح لم يفرح بوجود 99 % من خرافه فى الحظيرة، وإنما فرح عندما سعى وراء الواحد الضال، وأرجعه. ما كان ممكناً لهذا الراعى ـ فى زحمة المائة ـ أن يكشف غياب ذلك الواحد لولا أنه يهتم بكل واحد، ولا يضيع الفرد فى زحام المجموع.
  4.  لهذا كله ولغيره، أكتب إليكم هذه الرسالة، لكى أنبهكم إلى أهمية تنظيم العضوية الكنسية. ومع أن العضوية الكنسية تشمل: العضوية الروحية، والعضوية القيادية، إلا أننى فى هذه الرسالة أود أن أركز على العضوية العامة. كل إنسان نال نعمة المعمودية المقدسة، هو عضو فى جسد المسيح، علينا أن نعرفة ونـهتم به. وكذلك علينا الإهتمام بكل إنسان سيعمّد، كالأطفال والموعوظين الذين سيعمّدون قريباً، ويدخلون عضوية الكنيسة، ينبغى أن نعرف الكل.
  5.  هذه المعرفة يجب ألا تكون مجرد معرفة فى الذاكرة، وانما لابد ان تكون مسجلة فى سجلات… إن الذاكرة قد تنسى، وبخاصة إذا كثر العدد، وإذا كبر السن، وإذا كثرت الشواغل. كما أن الذاكرة قاصرة على شخص معين يحتفظ بأسماء ومعلومات فى ذهنه، بينما ينبغى أن تكون هذه المعلومات فى الكنيسة لتنظيم الخدمة ومتابعتها.

ولهذا ينبغى أن تكون سجلات العضوية الكنسية من ثلاث نسخ على الأقل: أحداها مع الأب الكاهن، والثانية فى الكنيسة، والثالثه عند الرئاسة الدينية(البطريركية أو المطرانية).

  1.  هذه السجلات تشمل إسم كل عضو فى الكنيسة، وسنه، ووظيفته، وثقافته، ومركزه فى الأسرة، وحالته الإجتماعية، ومدى صلته بالكنيسة، كما تشمل أيضاً عنوانه سواء فى بيته أو فى عمله. ولتوحيد هذه السجلات، توجد نسخ منها فى البطريركية يمكن الحصول عليها. وعلى الأب الكاهن أن يسجل المعلومات الخاصة بكل فرد من شعبه ـ كما هو مبين ـ ويتابع ما يطرأ عليها من تغيير.
  2.  ونحن على استعداد لتقديم كل ما يلزم هذا العمل الرعوى من إمكانيات. وعلى أى أب من الآباء الكهنة، تصادفه صعوبه أو عقبة أو تلزمة لهذا الواجب الرعوى إمكانيات أو احتياجات، أن يتصل بنا، لكى نتعاون معه.
  3.  والغرض الوحيد من تنظيم العضوية الكنسية هو الرعاية، وليس غير. إن خرج الموضوع إلى غرض مالى، أو مجرد رغبة فى التنظيم، أو أى سبب آخر، حينئذ لا يكون قد أدى أهدافه الروحية. أما أهدافه فهى أن نعرف أولادنا، لكى نعرف الخدمة التى نؤديها نحوهم: الذين لم يتعمدّوا بعد، يعمدّون. والأطفال يحولون إلى مدارس التربية الكنسية، والشباب إلى اجتماعلت الشباب، والكبار إلى الإجتماعات العامة. والذين لا يمارسون سر الأعتراف والتناول، يرتب ذلك لهم مع حل المشاكل الإجتماعية أو الاقتصادية، وربط الاسرة جملة وأفراداً بالله وكنيستة، وتقديم كل ما يلزم من واجبات رعوية.
  4.  ومن جانبنا، سنتابع تنفيذ هذا الأمر معكم… سواء بالرسائل، أو اللقاءات، أو عن طريق مندوبينا. ويسرنا أن توافونا أولاً بأول بنتائج جهودكم المباركة، لكى يفرح قلبنا بعمل الرب معكم، ولكى نفرح بافتقاد النفوس التى أوكلنا الرب عليها، ومن أيدينا سيطلب دمها.

أخيراً يا أبنائى الأحباء، أعملوا عمل الرب بكل أمانة. وكونوا أمناء حتى الموت. أبذلوا أنفسكم بذلاً فى الخدمة، لأن (الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف) وأنمو فى عملكم الروحى (مكثرين عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً فى الرب) صلوا عنى. وكونوا محاللين بالروح القدس، معافين فى الرب.

البابا شنوده الثالث. عيد حلول الروح القدس يونيو 1977.

أضف تعليق